يا نفس، أما تعرفين نفعك من ضرك ؟ ألا تنتهين عن تمني ما لا يناله أحد إلا قلّ انتفاعه به، وكثر عناؤه فيه، واشتدت
المئونة عليه وعظمت المشقة لديه بعد فراقه ؟ يا نفسي، أما تذكرين ما بعد هذه الدار: فينسيك ما تشرهين إليه منها ؟
ألا تستحبين من مشاركة الفجار في حب هذه العاجلة الفانية التي من كان في يده شيءٌ منها فليس له، وليس بباقٍ عليه؛
فلا يألفها إلا المغترون الجاهلون ؟ يا نفس انظري في أمرك، وانصرفي عن هذا السفه، وأقبلي بقوتك وسعيك على
تقديم الخير، وإياك والشر، واذكري أن هذا الجسد موجودٌ لآفاتٍ، وأنه مملوءٌ أخلاطاً فاسدةً قذرةً، تعقدها الحياة، والحياة
إلى نفادٍ؛ كالصنم المفصلة أعضاؤه إذا ركبت ووضعت، يجمعها مسمارٌ واحدٌ، ويضم يعضها إلى بعضٍ، فإذا أخذ ذلك
المسمار تساقطت الأوصال. يا نفس، لا تغتري بصحبة أحبائك وأصحابك، ولا تحرصي على ذلك كل الحرص: فإن
صحبتهم - على ما فيها من السرور - كثيرة المئونة، وعاقبة ذلك الفراق. ومثلها مثل المغرفة التي تستعمل في جدتها
لسخونة المرق، فإذا انكسرت صارت وقوداً. يا نفس، لا يحملنك أهلك وأقاربك على جمع ما تهلكين فيه، إرادة صلتهم؛
فإذا أنت كالدخنة الأرجة التي تحترق ويذهب آخرون بريحها.
الثلاثاء مايو 01, 2012 11:44 am من طرف لؤلؤة الجزائر